اذهب الى الأسفل
avatar
زائر
زائر

تأملات تاريخية - يا أمتي اقرئي التاريخ-    Empty تأملات تاريخية - يا أمتي اقرئي التاريخ-

الأحد يوليو 24, 2022 1:44 pm
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
.
مقتطفات:
(تأملات تاريخية - يا أمتي اقرئي التاريخ - )
.

إنها دعوة لأمتنا أن تقرأ تاريخها العريق قراءة واعية تستخرج منه الدروس والعبر.
وأن تقف أمام أحداث التاريخ الإسلامي وقفة متفحصة مدققة، ليست سردًا تاريخيًا للأحداث .
بقدر ما هي تنقيب بين أسطره على مدلولات هذه الأحداث والوقائع، وعلاقتها بواقعنا المعاصر.
….
(3)
إن من نعم الله تعالى على الأمة الإسلامية أن جعلها آخر الأمم؛ لتقوم على غيرها
مقام التوجيه والشهادة وعلى نفسها مقام العظة والاعتبار، كما قال أبو شامة:
"وَقد اخْتَار الله سُبْحَانَهُ لنا أَن نَكُون آخر الْأُمَم، وأطلعنا على أنباء من تقدم؛
لنَّتعظ بِمَا جرى على الْقُرُون الخلية: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:12]
{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:8]
.
ولنقتدي بِمن تقدمنا من الْأَنْبِيَاء وَالْأَئِمَّة الصلحاء..، هَذَا وَإِن الْجَاهِل بِعلم التَّارِيخ راكبُ عمياء
خابط خبط عشواء، ينْسب إِلَى من تقدم أَخْبَار من تَأَخَّر، ويعكس ذَلِك وَلَا يتدبر،
وَإِن رد عَلَيْهِ وهمه لَا يتأثر، وَإِن ذُكِّر فلجهله لَا يتَذَكَّر".  
.
(4) إن أحداث التاريخ تتكرر وتتشابه إلى حد كبير لأن وراءها سننًا ثابتة تحركها وتكيِّفها
ولهذا يقول الغربيون: "التاريخ يعيد نفسه"، وتقول العرب في أمثالها: "ما أشبه الليلة بالبارحة!"
.
ويقول الإمام البيهقي: "لا توجد حادثة لم يحدث مثلها من قبل".
والحكمة تنص على أن العاقل أو السعيد هو من اتعظ بغيره،
أما الأحمق والتعيس فيصرُّ على أن يدفع ثمن أخطائه من حسابه،
لأنه لا يريد أن يتعلم من دروس وتجارب الآخرين التي سبق ودفعوا ثمنها،
والناس –ولا سيما البارزون منهم- هم أحد اثنين:
إما مُعتَبِر بما أصاب غيره من قبل أو مُعتَبَر به ممن سيأتي بعده!!
لذلك قال ابن الأثير: "فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره، فيزداد بذلك عقلا
ويصبح لأن يقتدى به أهلا".
.
ويقول السخاوي عن فوائد التاريخ: "وكذا ما يذكر فيه من أخبار الملوك وسياساتهم
وأسباب ومبادئ الدول وإقبالها، ثم أسباب انقراضها وتدبير أصحاب الجيوش والوزراء
وما يتصل بذلك من الأحوال التي يتكرر مثلها وأشباهها أبدًا في العالم غزير النفع كثير الفائدة
بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله، وجرب الأمور بأسرها، وباشر تلك الأحوال بنفسه".  

(5)
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»،
أي على المسلم الحصيف أن يعي الدرس وألا يقع فيما وقع فيه الآخرون، وإلا دفع ثمن
خطأه أكبر مما دفعه المخطئون الأولون.
.
فقد أخطأ المسلمون يوم أحد في شوال 3 هـ حينما خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وانشغلوا بالغنائم، فعاقبهم الله تعالى بالمصيبة واستشهد سبعون صحابيًا، وكانت الهزيمة بعد النصر
حتى إن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ما كنت أرى أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ} [آل عمران:152]".
.
وبعد قرن وإحدى عشر سنة كأنََّ غزوة أحد تُعيد نفسَها من جديد..
هناك في المنطقة الواقعة بين مدينتي بواتييه وتور الفرنسيتين، والتي تفصل عن باريس حوالي 295 كم،
.
حيث معركة بلاط الشهداء في رمضان 114هـ بقيادة عبد الرحمن الغافقي،
وكانت الغَلَبَةُ للمسلمين بعد مناوشات عديدة لمدة سبعة أيام، ثم لما التفَّ المسلمون حول الغنائم يأخذونها
-وكان قد وقع حبُّها في قلوبهم- هاجم الفرنجة مؤخرة الجيش الإسلامي، هنا حدث الانكسار في الجيش المسلم
ثم هُزِمُوا واستشهد الغافقي رحمه الله. وتكاد تكون أوجه التشابه واحدة بين أحد وبلاط الشهداء، حتى عندما أُشيع
خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في أُحُد حدث الانكسار، وانهزم المسلمون وفرُّوا، وكذلك بالنسبة لبلاط الشهداء،
.
فحينما قُتِلَ عبد الرحمن الغافقي رحمه الله انسحب المسلمون، وانكمشوا على أنفسهم إلى الداخل
وفروا ليلًا، وهنا تكمن العبرة والعِظَة من أحداث المسلمين المتكرِّرة وشديدة التشابه.  
.
(6)
وكما أعجب المسلمون يوم حنين 8 هـ بكثرتهم وقالوا: لن نهزم اليوم من قلة
فعاتبهم الله تعالى بقوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا
وَضَاقَتْ علَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25].
.
وقد انتبه الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر، فأكد لهم بدعائه افتقاره لربه ولجوءه إليه وحده،
فقال: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل"، لقد كان الشعور بالزهو لكثرتهم سببًا
لإدبارهم في أول المواجهة، وكان إدبارهم وهول اللقاء قد أعادهم إلى التصور الصحيح
والتوكل الخالص، فكانت الجولة الثانية خالصة لهم من دون الكافرين:
{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة:26].
.
ويتكرر المشهد مرة أخرى بعد حوالي ستة قرون في هضاب الأندلس،
فيما يعرف بموقعة العقاب  ..
.
يتبع…
.
avatar
زائر
زائر

تأملات تاريخية - يا أمتي اقرئي التاريخ-    Empty رد: تأملات تاريخية - يا أمتي اقرئي التاريخ-

الأحد يوليو 24, 2022 2:02 pm
.
في 15 صفر سنة 609هـ/ 1212م، حينما خرج الخليفة الموحدي الناصر لدين الله 
لمحاربة الفرنجة فِي أُمَم لا تحصى وجيوش لا تستقصى، قد مَلَأت السهل والوعر
 بلغ تعدادها 600 ألف مقاتل في عدد لم يسبق للمسلمين به مثيل في الأندلس
 في مقابل 160 ألف محارب من النصارى والإفرنج،
.
وما إن بدأت الموقعة حتى ركن الأندلسيون الذين كانوا يقاتلون مرغمين مع الموحدين إلى 
الفرار، وترتَّب على ذلك أن وقع اضطراب عظيم في الجيش الإسلامي، ولم يصمد في ذلك القتال
إلا القليل، وحدثت مقتلة عظيمة لم تشهد الأندلس مثلها مثيل، ونادى مُنَادِي ألفونسو الثامن:
 "أَلا لَا أسر إِلَّا الْقَتْل، وَمن أَتَى بأسير قُتل هُوَ وأسيره، فحكمت سيوف الفرنج فِي الْمُسلمين
إِلَى اللَّيْل". لقد كان سبب الهزيمة ذلك المرض الخطير العجب والزهو بالكثرة ونسيان
الاعتماد على الله، وهو ما صوَّره الناصري صاحب الاستقصا، بقوله:
 "وَكَانَ النَّاصِر رَحمَه الله قد أعجبه مَا رأى من كَثْرَة جُنُوده وأيقن بالظفر".
وعند الفرار أيقن الناصر بالعقاب،
.
وقال كلمته: "صدق الرَّحْمَن وَكذب الشَّيْطَان". ثم عاد الناصر إلى مراكش
حيث توفي عام 610 هـ/1213 م، ربما كمدًا من نتيجة الهزيمة في معركة العقاب
التي عُدت نذيرًا بانحلال دولة الموحدين، ولم تنصر لهم بعدها راية مع الفرنج إلى أن
تدارك الله رمق الأندلس بالسلطان المنصور المريني رحمه الله (607 - 685 هـ/ 1210 - 1286م).   

(7) والغريب العجيب أن العدو يقرأ تاريخنا كما يقرأ تاريخه ويتعقب الأحداث
بالنظر والتحقيق والتدبر والاعتبار، حتى تكاد تكون وسائله في حربه على الإسلام
والمسلمين واحدة لا تختلف. وإن الشواهد في ذلك كثيرة، لعل أبلغها وضوحًا
قصة سقوط بغداد ووقوعها تحت احتلالين بربريين: الاحتلال التتري الهمجي
 (656 هـ/ 1258م) والاحتلال الأمريكي الدموي (1424هـ/ 2003م)،
وما بينهما من مقارنة، تشابه لا يصدَّق!!
.
 فما أشبه سقوط بغداد تحت أقدام الأمريكان بسقوط بغداد تحت أقدام التتار،
من حيث الدوافع والأسباب والنتائج والخطوات والأساليب والإعداد ودوائر المفاوضات
والتحالفات حتى النهاية والسقوط والدمار، بل حتى في صورة الخزي الذي لحق بالمسلمين
حكامًا ومحكومين في الزمانَيْن،
.
 فكما قُتل الآلاف على يد التتار قُتل الآلاف على يد الأمريكان، بل وكما هرب المستعصم بالله
من الموقف ورضى بالهوان كذلك فعل صدام حسين!! وكما قُتل ولدا المستعصم قبل أن يُقبض عليه،
 قُتل ولدا صدام قبل أن يُقبض عليه!! صورة متكررة في التاريخ بشكل عجيب وتطابق مذهل
بين التاريخ والواقع!! {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}
[الذاريات:53].  
.
 (8 )  ومن هنا حث القرآن الكريم على دراسة التاريخ المنظور أو المسطور ببصيرة نفاذة
ووعي حاضر؛ لاستخلاص العبر، واستنباط السنن، لتجنب مواقع الخطأ التي قادت
الجماعات البشرية، والأمم والحضارات السابقة إلى السقوط الحضاري والدمار الاجتماعي،
ولسلوك سبيل النهوض والبناء. 
من ذلك قوله تعالى:
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ .
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:137-138).
.
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:111].
.
{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}
 [فاطر:43].  
.
وحول الاستفادة مما ورد ذكره في القرآن الكريم من قصص السابقين والأقوام الغابرة،
يقول ابن تيمية رحمه الله: "وَمن هَذَا الْبَاب صَارَت قصَص الْمُتَقَدِّمين عِبْرَة لنا، وَلَوْلَا الْقيَاس
واطراد فعله وسنته لم يَصح الاعتبار بهَا، والاعتبار إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ حكم الشَّيْء حكم نَظِيره،
كالأمثال المضروبة فِي الْقُرْآن، وَهِي كَثِيرَة". 
.
وصدق شوقي، بقوله: 
 .
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر..
ضل قومٌ ليس يدرون الخبر ..
.
منقول.. للتفكر والعبرة.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى